Wednesday, November 26, 2008

تيته الحاجه .... جمال وقوة





مازالت جدتي أو ( تيتة الحاجه) ذات الثمانين ربيعا تبهرني في كل شيء حتى الآن،بقايا جمال قديم و ذاكرة قوية وذهن حاضر وروح متقدة نفتقدها نحن الشباب في أيامنا هذه وفوق ذلك كله قدر ملاحظ من الإعجاب بالنفس والزهو يصل لكل من يتعامل معها من أول مرة فكيف بحفيدها ؟ في كل مرة تحكي لي القصص المختلفة دون كلل ولا ملل وفي كل مرة تعتقد أنها تحكيها لأول مرة على الرغم من تكرارها كثيرا ولا أقدر على البوح بأي شيء وإلا كان لي الويل والثبور وعظائم الأمور.

تجلس في مجلس العائلة فتذكرني بالحاجة فاطمة تعلبة في الوتد أو بماري منيب في أي فيلم من أفلام الأبيض والأسود أو حتى كالأميرات التركيات المشتهرات بقوة النفوذ ووفرة الإعجاب بالنفس. تأمر فنطيع ... وتنهى فننتهي والكل لها تبع وما نفعل ذلك إلا لنتقي النار ولو بنصف همسة،إن غضبت فنظرتها وعيد وكلامها تهديد ،وإن فرحت فابتسامتها حلوة وتعليقاتها فيها حضور وقوة.

كل ذلك جعلني أتوقع أن يكون كل جيلها هكذا فما أدراني بغير ذلك وقد رحلوا كلهم ولم يبق إلا هي ( أمد الله في عمرها ) بل لم أجرؤ يوما على أن أقول ذلك وإلا كانت الطامة.

عجيب ذلك الجيل من الناس، فلديه من الروح المتفائلة مع شظف العيش حينها ما يثير الاستغراب والدهشة، دخل بسيط ومعيشة رقيقة الحال صاحبها في ذات الوقت ضعف الإمكانيات العامة ورغم ذلك كله تجد الصبر والتحمل والرضا بشكل غريب، بعكس حالنا نحن الشباب هذه الأيام، مازلت أتذكر كيف كانت تحكي لي جدتي أنها ولدت عمي الكبير في ( الغيط ) دون ( داية ) ولا دكتورة أطفال، فقط كل ما تقوله أن وقت الولادة قد حان وهي في عملها مع أهلها ولا وقت للذهاب لأي مكان .... بكل بساطة وضعته ثم لفته في لفافة من قماش ووضعته بجانبها ثم أكملت عملها حتى نهاية اليوم.

مازالت تتذكر ذلك البيت الكبير الذي كان يضم العائلة الكبيرة ... جدي الأكبر ( حماها ) رحمه الله الذي كان يمتلك عبدا مملوكا لا يقدر على شيء... كان قد كبر سنه فهو كلٌ على مولاه... لكن جدي أحسن إليه في أواخر عمره حتى توفى رحمه الله ، أظنه كان الوحيد من أهل البلدة الذي يملك عبدا ... البلدة كلها تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه .. كيف كانت المعيشة في بيت يضم حوالي 40 فردا والكل يعمل في نظام محكم ولا يجرؤ على عصيان الأوامر ، تحكي كيف كان جدي ( زوجها ) رحمه الله قوي الشخصية وافر الذكاء ... لا يمر أحد من أمام داره إلا وجب عليه النزول من على حماره وخلع حذاءه والمرور حافيا حتى يبتعد. رائعة تلك العائلة التي تبعث على الفخر بحق .


دائما ما تسخر مني أنا وأبناء عمومتي... من طريقة أكلنا وشربنا وحتى ملابسنا التي تثير استغرابها على حد وصفها ثم تقول... الله يرحم أيام زمان كان كل حاجه فيها بركة كما تكرر على أسماعنا باستمرار أنه يجب علينا الاهتمام بالأكل أكثر من ذلك فنحن في نظرها مفرطون وكسالى وأن (الشتا للرجالة) على حد قولها كما أن الاستحمام بالماء البارد في الشتاء سبب كافي لجمال البشرة حتى مع الكبر، كل شيء تحاول أن تتكلم فيه حتى العناية بالبشرة والشعر والغزل والمعاكسات كانت لها معها (حوارات) بجانب تعليقها المستمر على غلاء المعيشة وسوء الأوضاع.


لها من الاهتمامات السياسية ما يثيرني حقيقة كثيرا بل ويصل الحال أحيانا لأن تقضي الليل كله باكية على حال فلسطين أو تمضي النهار بأكلمه تتكلم في قضية الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كما لابد من أن تدلي بدلوها في القضايا الداخلية أيضا فتحلل أزمة العيش وتبحث في أصل مشكلة التموين بجانب متابعتها المستمرة لجلسات مجلس الشعب على الرغم من أنها تطالها أيدي الرقابة بالطبع.


ذات مرة ( طب) البوليس عليهم في البيت ... لا يوجد إلا أباها فقط، وأخوها كان بالخارج ... هو من كان مطلوبا بالتحديد لحيازته قطعة سلاح فقد كان (شيخا للغفر) ... دخل العسكر بيتهم ... فتشوه وهي تضع القطعة تحتها وهي على السرير بجانب أباها المريض ... طلبوا منها أن تقوم فرفضت وأصرت حتى خرجوا ... وكأن شيئا لم يكن.... هكذا تحكي هي بكل بساطة فالأمر من وجهة نظرها لا يتعدى بضع كلمات وحسب...

كم كانت قوية تلك المرأة بالفعل .

وهي تحكي لي هذه المواقف يدخل أبي عليها أو أي ابن من ابنائها ثم يخرج فتدعو لهم دائما بالدعاء المعتاد ( الله يوقف لك ولاد الحلال ويكفيك شر الطريق )


دمتم بود




No comments: